آية اليوم


Tuesday, November 4, 2025

✨ القديسة بربارة: إيمان يزهر في الحقول ✨ كنيسة القديسة بربارة – عابود، فلسطين

 


عابود - خاص موقع الفادي

كتبت مريانة فضة

على تلةٍ صخريةٍ هادئة في قرية عابود شمال غرب رام الله، تقف كنيسة القديسة بربارة شاهدةً على قرونٍ من الإيمان والصمود، وعلى قصة فتاةٍ شجاعة اختارت النور رغم ظلمة عصرها. هنا، حيث تتعانق الحجارة القديمة مع الحقول الخضراء، تتجدّد في كل عام ذكرى القديسة بربارة، الشاهدة على الإيمان والثبات.

تُعد كنيسة القديسة بربارة من أقدم الكنائس في فلسطين، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السادس الميلادي في الحقبة البيزنطية.

بُنيت على تلة تبعد حوالي كيلومتر واحد عن مركز قرية عابود، وتتميّز بهندستها الكنسية القديمة المؤلفة من ثلاثة أروقة، وسقفٍ كان يستند على أقواسٍ حجريةٍ ضخمة.



ويُعتقد أن الكنيسة أُقيمت فوق الكهف الذي اختبأت فيه القديسة بربارة أثناء ملاحقتها، مما جعل منها موقعًا مقدسًا ومزارًا روحيًا للمؤمنين.

خدمت الكنيسة عبر العصور من قبل رهبان وكهنة من البطريركية اللاتينية والأرثوذكسية، إذ كانت تُعتبر مركزًا روحيًا هامًا في المنطقة، يقصده المؤمنون من القرى المجاورة للصلاة والزيارة.

في فترات الاضطرابات التاريخية، تعرّضت الكنيسة للهدم الجزئي أكثر من مرة، لكنها كانت تُرمّم على يد الأهالي والرعاة المحليين، في مشهد يعكس تمسّك أبناء عابود بإيمانهم وكنيستهم.



وفي العصور الحديثة، أعيد ترميم الموقع الأثري بإشراف هيئة تنشيط السياحة الفلسطينية، ليُفتح من جديد أمام الزائرين والحجاج من مختلف أنحاء العالم، كواحدٍ من أهم المعالم المسيحية التاريخية في فلسطين.

حول الكنيسة آثارٌ عديدة، مثل المعاصر والآبار والمقابر المنحوتة في الصخر، التي تعود للعهد الروماني والبيزنطي، وتدل على أنّ المكان كان قرية مزدهرة بالإيمان والحياة منذ مئات السنين.

وُلِدت القديسة بربارة في القرن الثالث الميلادي، في بيتٍ وثنيٍّ لأبٍ غنيٍّ وقاسٍ يُدعى ديوسكوروس. خوفًا عليها من العالم، حبسها في برجٍ عالٍ بعيد عن الناس. لكن عزلتها لم تُطفئ نور قلبها، بل قادتها إلى التأمل في الطبيعة والسماء، حيث شعرت أن هناك إلهًا واحدًا خالقًا لكل شيء.

تعرفت بربارة على المسيحية سرًا، وتعلّمت الإيمان على يد كاهن متنكر، ثم نالت سرّ المعمودية، وكرّست حياتها لله. وعندما علم والدها بأمرها، غضب غضبًا شديدًا وقرر تسليمها للحاكم لتعذيبها.



هربت بربارة إلى الجبال، وفي أثناء هروبها حدثت معجزة الحقل: فقد مرّت عبر أرضٍ كانت مزروعة حديثًا، فأنبت الله القمح في لحظات، ليغطي آثار خطواتها ويخفيها عن عيون مطارديها.

لكنها في النهاية قُبض عليها، وتعرّضت للتعذيب بسبب إيمانها، حتى نالت إكليل الشهادة على يد والدها نفسه. وبعد أن نفذ الحكم، تقول التقاليد إن صاعقة من السماء ضربت والدها فمات في الحال.

يُحتفل بعيد القديسة بربارة في 17 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام (أو 4 كانون الأول حسب التقويم الشرقي).

في هذا اليوم، يشارك أهل عابود وسائر المسيحيين في فلسطين والعالم في تذكار القديسة بربارة، وتقام الصلوات والقداديس، وتتجه المواكب نحو الكهف التاريخي قرب الكنيسة.

أما الطقس الأجمل فهو تحضير طبق "البربارة” وهو خليط من القمح المسلوق والمكسرات والزبيب والقرفة – يرمز إلى حقل القمح الذي حماها الله به أثناء هروبها، وإلى النقاء والخصب والفرح.

يتم توزيع الطبق على الأقارب والجيران كتعبير عن المشاركة والمحبة والإيمان الحي.

قصة القديسة بربارة ليست مجرد صفحة من التاريخ، بل رسالة روحية حية:

أنّ الإيمان الحقيقي لا يُحبس خلف الجدران، وأنّ النور قادر أن يشق طريقه حتى في أحلك الظروف.

من برج العزلة إلى كهف الخلاص، ومن الألم إلى الشهادة، تركت بربارة أثراً من الشجاعة والإيمان، يذكّرنا أن الحرية الحقيقية هي حرية الروح، وأنّ الحب لله أقوى من الخوف.

وفي كل عام، عندما تُطهى حبوب القمح وتُوزّع بفرح، تُروى من جديد حكاية فتاةٍ جعلت من حياتها صلاة، ومن استشهادها عيدًا للرجاء والحياة.

No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

Your Ad Spot