آية اليوم

Tuesday, September 16, 2025

عيد ارتفاع الصليب

 


جنين - موقع الفادي

كتبت مريانة فضة

يرتبط عيد ارتفاع الصليب بأحد أقدس الأحداث في تاريخ الكنيسة المسيحية. فالصليب، الذي كان أداة للعار والعذاب في زمن الرومان، تحوّل بفضل المسيح إلى رمز خلاص، وعلامة محبة إلهية عظيمة، ومرجع لكل مؤمن يفتخر بقول الرسول بولس:

"أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 6:14).

بعد أن صُلب السيد المسيح على جبل الجلجثة ودُفن، ظل صليبه مطمورًا في الأرض، غير معروف المكان، لعدة قرون. فالإنجيل يخبرنا:

"فأخذوا يسوع فمضى وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له الجمجمة، ويقال له بالعبرانية جلجثة، حيث صلبوه" (يوحنا 19:17-18).

لكن المكان تغيّر مع مرور الزمن، حتى جاء القرن الرابع الميلادي. في تلك الحقبة، كان الإمبراطور قسطنطين الكبير يخوض معركة حاسمة، فظهرت له في السماء علامة صليب مضيء مكتوب عليها: "بهذه العلامة تنتصر". وعندما تحققت النبوءة وانتصر، أمر بوقف الاضطهاد عن المسيحيين، وأراد أن يُكرم إيمانهم. فأرسل والدته القديسة هيلانة إلى أورشليم لتبحث عن خشبة الصليب الحقيقي.

بدأت الملكة هيلانة التنقيب عند جبل الجلجثة، حيث أقيم معبد وثني فوق المكان لإخفاء أثر المسيح. وبعد أعمال الحفر، عُثر على ثلاثة صلبان. لكن لم يكن من السهل التمييز بينها، لأن الإنجيل يخبرنا أن يسوع صُلب بين لصّين (لوقا 23:33).

عندها اقترح البطريرك مكاريوس أن يجرّبوا الصلبان على امرأة مريضة تحتضر. فوُضع الصليب الأول عليها فلم يحدث شيء، وكذلك الثاني. أما عندما لامسها الصليب الثالث، شُفيت في الحال وقامت تسجد لله. ومن هنا أدرك الجميع أن هذا هو صليب الرب يسوع المسيح.

في ذلك اليوم المهيب، حمل البطريرك مكاريوس الصليب ورفعه عاليًا فوق جبل الجلجثة، والشعب كله يركع بخشوع ويصرخ: "يا رب ارحم". ومن هنا جاء اسم العيد: عيد ارتفاع الصليب. ومنذ ذلك الحين، قررت الكنيسة أن يُحتفل بهذا العيد سنويًا في الرابع عشر من أيلول، ذكرى لاكتشاف الصليب المقدس.

في عيد ارتفاع الصليب، يحتفل المسيحيون بقلوب مفعمة بالإيمان والفرح. يُرفع الصليب عاليًا في الكنائس وسط الترانيم والصلوات، وتُزيَّن المذابح بالزهور والريحان رمزًا للحياة والانتصار. يُوزع الرمان كتعبير عن الحياة الجديدة ودم المسيح ووحدة المؤمنين، بينما ترمز النار المشتعلة إلى نور المسيح الذي يبدد الظلام. ويشارك المؤمنون في مسيرات واحتفالات روحية، ويضعون الصليب في بيوتهم كتجديد للإيمان والرجاء، ليصبح العيد تجربة روحية غنية بالمعاني والفرح والبركات.

لم يبقَ هذا العيد مجرد حدث تاريخي، بل صار مناسبة روحية عظيمة. ففيه تُرفع الصلوات، وتُزيَّن المذابح بالصليب محاطًا بالزهور والريحان رمزًا للحياة والانتصار. إنه يوم تذكير بأن الصليب ليس خشبة عادية، بل هو شجرة الحياة التي غلب بها المسيح الموت، ومنحنا الخلاص.

إن عيد ارتفاع الصليب يدعونا جميعًا أن ننظر إلى الصليب لا كرمز ألم فقط، بل كمنبع رجاء وفرح. ففيه اجتمع الحب الإلهي مع غلبة النور على الظلام، والحياة على الموت. لذلك يبقى الصليب في قلب الكنيسة وعقيدة المؤمنين، علامة خلاص لا تزول.


No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

Your Ad Spot