آية اليوم


Thursday, October 16, 2025

"هل فعلاً انتهت الحرب على غزة؟ أم ما زال السلام بارداً؟"

 


القدس - موقع الفادي

بقلم الأب سيمون بيترو حرّو الفرنسيسكاني.
هل انتهت الحرب فعلاً على غزة؟ أم أننا نشهد فقط استراحةً قصيرة بين فصلين من المأساة ذاتها؟
صحيح أنّ أصوات المدافع خفتت، وأنّ الطائرات لم تعد تمزّق سماء المدينة كما في الأمس القريب، لكنّ الدخان لم يتبدّد بعد من صدور الناس، ولا من وجدان العالم الذي يتأمل بصمتٍ هذا الركام الممتدّ على طول الساحل الفلسطيني. الحرب ليست فقط ما يُكتب في التقارير العسكرية، بل ما يتركه الألم في قلوب الأطفال والأمهات، وما يُزرع في النفوس من خوفٍ وريبةٍ تجاه كل ما يُسمّى "سلاماً".
اليوم، تتحدث الحكومات عن إعادة الإعمار، والمؤتمرات تُعقد في العواصم البعيدة، والابتسامات الدبلوماسية تُوزَّع أمام الكاميرات، لكن في شوارع غزة المدمَّرة لا يزال الناس يبحثون عن الماء النظيف، عن بيتٍ يسترهم، عن مدرسةٍ تفتح أبوابها من جديد. أيُّ سلامٍ هذا الذي لا يُشبع الجائع، ولا يُعيد الأمان للطفل النائم تحت سقفٍ من القماش؟
إنه سلامٌ بارد، هشّ، يفتقر إلى العدالة التي وحدها تُدفئ القلوب وتمنحها الطمأنينة.
في الأسواق المهدّمة، ترى وجوهًا تبتسم رغم الألم. في المدارس المؤقتة، تسمع ضحكات الأطفال تتحدى الرماد. وفي الكنائس والمساجد، تُرفع الصلوات من أجل وطنٍ لم يعرف يوماً معنى الراحة. تلك هي غزة... المدينة التي تُعلّم العالم أنّ الكرامة لا تُقصف، وأنّ السلام لا يُفرض من وراء المكاتب، بل يُبنى بالصدق والإيمان والحق.
فهل انتهت الحرب؟
ربما توقفت المعارك، لكنّ الحرب على الإنسان ما زالت مستمرة: حرب الفقر، والظلم، والنسيان. وضمير حكّام العالم ما زال متجمّدًا في صقيع اللامبالاة.
السلام الحقيقي لن يأتي إلا حين يتوقف هؤلاء الحكّام عن التعامل مع المأساة كخبرٍ عابر، ويبدؤون برؤية الإنسان كقيمةٍ لا تُقاس بالمصالح.
اللهمّ امنح غزة سلامًا دافئًا يُعيد إليها نبض الحياة، لا سلامًا بارداً يجمّد الأحلام في العيون.

No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

Your Ad Spot