آية اليوم

Friday, September 12, 2025

رسالة غبطة الكاردينال باتيستا حول إعفاء ديون مدارس البطريركية في إطار سنة اليوبيل

 


القدس - موقع الفادي

القدس، 14 أيلول 2025
عيد ارتفاع الصليب المقدس

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء في المسيح،

ليمنحكم الرب سلامه!

تقترب سنة اليوبيل من نهايتها. كانت بلا شك سنة صعبة لنا جميعًا. وبالفعل، تزامنت نعمة اليوبيل مع أجواء من العنف والحرب، لم تهدأ، بل ما زالت تزداد حدّة يومًا بعد يوم.

بالنسبة لنا نحن المسيحيين، يُعدّ اليوبيل قبل كل شيء زمنًا للتوبة والتكفير عن الذنوب، ومناسبة للرحمة والغفران. إنه وقت العودة عن خطايانا، مع فرصة نيل الغفران الكامل. ونحن بالفعل بأمسّ الحاجة إلى هذه الرحمة. فواقع الحرب والعنف والظلم المتفاقم الذي نعيشه يوميًا قادر على أن يتسلّل إلى قلوبنا، ويشوّه علاقاتنا المتبادلة، ويتحوّل دون أن نشعر إلى نمطٍ مألوف في تفكيرنا وسلوكنا، فننقله إلى أسرنا ومؤسساتنا، ويؤثر في الطريقة التي نحيا بها في هذا العالم.

ومع ذلك، من المهم أن نتوقف، لا سيما نحن، عند هذه السنة الغنية بالنعمة، التي تحمل شعار "الرجاء لا يخيب" (رومية 5:5). إنها دعوة صريحة إلى توبة القلب، والعودة إلى الله، وإحياء جذورنا المسيحية واكتشاف روعة الإيمان من جديد. نحن بأمسّ الحاجة إلى ترميم العلاقات التي أفسدتها تصرفاتنا، وإلى استعادة بهجة اللقاء بالمسيح، هو الذي يعلن لنا اليوم ويتمم معنى اليوبيل ألا وهو "سنة الرب المقبولة" (لوقا 4:19؛ إشعياء 61:1-2) نعم، نحن أيضا، ورغم ما نكابده من مشقات الحرب، يمكن أن نختبر اليوبيل كسنة مفعمة بالنعمة، نعود فيها إلى الله بفرح صادق. وقد تكون المحنة التي نعيشها، بكل ما خلّفته من آثار عميقة على حياة أسرنا ومؤسساتنا، فرصة سانحة تجنّبنا الانشغال بتفاصيل سطحية أو رؤى محدودة، وتدفعنا بدلًا من ذلك إلى التوجه نحو جوهر الحياة: علاقتِنا بالله، وصلتِنا بالناس من حولنا. إن اليوبيل، في جوهره، نداء لاحترام كرامة الإنسان، المخلوق على صورة الله ومثاله.

اليوبيل هو بالطبع مسار توبة لا ينتهي، ويكتمل في شركة القديسين، ويكتسب في هذا العام زخمًا جديدًا. لكنه لا يُختزل في مسار فردي فحسب؛ فالدعوة تشمل الجماعة بأكملها. فلا بدّ لكل رعية، بصفتها جماعة المؤمنين، أن تلتقي مجددا مع السيد المسيح. ثم إن اختيار المسيح يعني إعادة اكتشاف هوية الكنيسة. والكنيسة التي تختار المسيح تستعيد محبة أبنائها وبناتها، فتتجدد وتتقوّى.

أعتقد أن حصر معنى اليوبيل في توبة القلب، أو في مسار روحي وباطني بحت سيقلّل من شأنه. فلا بدّ أن يصبح اليوبيل أيضًا مناسبة لتعزيز وطلب العدالة والإنصاف، وقبل كل شيء التضامن مع الضعفاء.

لهذا السبب تساءلنا في الشهور الماضية: كيف يمكننا أن نعبّر بشكل ملموس عن هذه الرغبة في التغيير والتجديد والرجوع إلى الله وإلى الإخوة. وفكّرنا، خلال المناقشات المختلفة داخل المجالس الأبرشية، في عمل تضامني تجاه حياة الأبرشية يمكنه أن يميّز هذا اليوبيل بشكل ملموس.

في الأزمنة القديمة، كان اليوبيل الكتابي يتضمّن جملة من الأفعال، من بينها إلغاء الديون. وهذا الروح لا يقتصر على العهد القديم، بل نجده حاضرًا أيضًا في العهد الجديد، كما يظهر في مثل العبد الذي التمس الرحمة لكنه عجز عن منحها لغيره (متى 18:23-35). فالرجوع إلى الله، واستعادة العلاقة معه، وغفران الخطايا، لا يمكن أبدا فصلها عن إعادة بناء العلاقات الإنسانية.

وبالتنسيق مع النواب البطريركيين، وبعد الإصغاء إلى آراء مديري المدارس، توصّلنا إلى قناعة بأن من واجبنا كأبرشية أن نُقدّم نحن أيضًا علامة ملموسة تعبّر عن روح اليوبيل. ومن هنا، اتخذنا قرارًا بإعفاء جميع ديون كل العائلات المستحقة لمدارس البطريركية اللاتينية عن كل السنوات السابقة لسنة اليوبيل. ويستثنى من هذا الإعفاء العام الدراسي 2024-2025.

لم يكن القرار سهلًا بسبب التكلفة العالية التي ينطوي عليها. وكما يمكنكم أن تتصوروا، أبدت مختلف دوائرنا الإدارية مخاوف مشروعة. لكننا نعتقد أنه من الضروري القيام بهذه المبادرة، وأن نثق بالعناية الربانية مرة أخرى.

نأمل أن تسهم المبادرة في تسهيل حياة العديد من عائلاتنا المحتاجة، وفي استعادتهم الثقة والأمل.

من المهم أن نتذكر أن اليوبيل ليس لحظة للغفران والنعمة فحسب، بل هو أيضًا زمن مسؤولية. إن إعفاء هذه الديون لا يعني بأي حال من الأحوال التخلّي عن المسؤوليات، ولا يُعفي أحدًا، بما في ذلك العائلات، من التزاماتهم تجاه المدارس. اليوبيل زمن استثنائي، وبما أنه كذلك، يبقى لحظة فريدة نعيشها ضمن الكنيسة، وتدعونا إلى التعامل بجدية مع مسؤولياتنا.

أدعو جميع مديري مدارسنا إلى المباشرة بتنفيذ هذا القرار، وإبلاغ الأسر المعنية به بشكل فوري. كما أطلب من المسؤولين عن الإدارة المالية أن يقوموا بتحديث السجلات المحاسبية بما يتوافق مع ما تم اعتماده.

أسأل الله أن ينيرنا صليب المسيح، الذي نحتفل به اليوم، ونحن على عتبة عام رعوي جديد، وأن يمنحنا جميعًا قوة السير في نوره.

 

بركنا الله في هذه السنة الدراسية،

† الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا
بطريرك القدس للاتين

نسخة إلى:

  • النواب البطريركيين في فلسطين وإسرائيل والأردن
  • المدراء العامين لمدارس البطريركية اللاتينية في فلسطين وإسرائيل والأردن
  • مدراء ومديرات مدارس البطريركية اللاتينية
  •  كل الإداريين في البطريركية اللاتينية

No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

Your Ad Spot