كتب الأب سيمون بيترو حرو الفرنسيسكاني.
عندما تقف الأمم المتحدة، بكل ما تمثّله من مؤسسات ومجالس ومواثيق، عاجزة أمام حرب مدمّرة تحرق غزة بنيران الموت، يتهاوى فينا الإيمان بالعدالة الكونية، ويذبل الرجاء في الإنسانية التي طالما تغنّت بشعارات الحرية والكرامة وحقوق الإنسان. قرارات كثيرة تُتلى على المنابر، بيانات تُسكب كالماء على الورق، لكن صرخات الأطفال تحت الركام لا تجد لها قرارًا يُنقذ، ولا صوتًا أمميًا يضع حدًا للمجزرة.
في غزة، الأبرياء يُقتلون بدم بارد، والبيوت تتحول إلى قبور، والمدارس إلى مقابر جماعية، والمستشفيات إلى صدى لأنين لا يجد دواء. هنا، الحجر يبكي مع البشر، والشجر ينوح مع العصافير الهاربة من دخان الحرب. هناك، شعبٌ محاصر بين الموت والجوع، بينما العالم يتفرّج كما لو أن الدم الفلسطيني لا يدخل في حسابات البشرية.
نسأل: ماذا تبقّى من الإنسانية؟ أين هي العهود التي أُبرمت بعد حروب دامية لتقول "لن يتكرر"؟ أين هي الأخلاق التي وُلدت من رحم المآسي الكبرى لتصرخ "كفى"؟ إن عجز المجتمع الدولي عن اتخاذ قرار حازم لإنهاء هذه الحرب ليس إلا شهادة إدانة على ضمير العالم بأسره، صكّ خيانة للعدالة، ووصمة عار في جبين البشرية.
آن الأوان أن نقولها بصوت ملتهب: الإنسانية لا تُقاس بعدد البيانات ولا بطول الجلسات، بل بوقف فوري للنزيف وإنقاذ الأبرياء. الإنسانية لا تُختبر في المؤتمرات، بل في المواقف الجريئة حين يُذبح الحق على مرأى ومسمع الجميع.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة؛ إنها مرآة كاشفة لوجه العالم. فيها يظهر من يملك قلبًا نابضًا بالعدل، ومن تكلّس ضميره حتى صار يتغذى على صمت القبور.
فلنصرخ إذن بملء الصوت: إن لم توقظ غزة ضميركم، فما الذي سيوقظه؟ وإن لم تحرّك دماء الأطفال وجوهكم المتحجّرة، فما الذي سيهزّ إنسانيتكم؟
الوقت لم يعد ملك الانتظار. كل يوم يمرّ بلا قرار هو جريمة جديدة. وكل صمت يضاف هو طعنة في خاصرة القيم الإنسانية. فلتقفوا أيها العالم وقفة حق، قبل أن يُكتب في سفر التاريخ أن الإنسانية ماتت في غزة.
No comments:
Post a Comment