القدس - موقع الفادي
بقلم: الأب سيمون حرّو
في لحظات الحياة القاسية، وما أكثرها في أيامنا الحاضرة، حين تشتد المحن وتغرق النفس في بحرٍ من الهموم، يبدو الأفق معتماً والطرق مسدودة. نعيشُ لحظاتٍ صعبة من الألم، قد تكون فقدان عزيز، موت شهيد، مرض أحد المقربين على قلبنا، خيبة أمل، فشل، أو تجربة قاسية تترك في القلب ندبةً لا تندمل بسهولة. ومع ذلك، وسط هذا السواد، ينبثق نورٌ خافت، يتسلل بين شقوق الروح والضلوع ليهمس لنا بعذوبةٍ: "ما زال هناك أمل".
الألم جزءٌ لا يتجزأ من تجربة الإنسان، يرافقه منذ ولادته حتى آخر أنفاسه، لكنه ليس النهاية. فكما تنبثق زهرةٌ جميلة من بين الصخور، وكما يشقّ النور ظلام الليل، كذلك يولد الأمل من رحم المعاناة. الألم قد يكون معلماً قاسياً، لكنه يحمل في طياته درساً عظيماً، يعلمنا الصبر، القوة، التحمل، والإيمان بأن الغد يحمل في جعبته ما لم يكن في الحسبان.
الأمل ليس وهماً، ولا سراباً نطارده بلا جدوى، بل هو الحقيقة التي تمنح الحياة معناها. هو اليد التي تنتشل الغريق من وسط العاصفة، وهو الدافع الذي يجعل المريض يَتمسّك بالحياة رغم ألمه، وهو القوة التي تدفع بالإنسان المكسور للنهوض من جديد. في كل لحظة ألم، هناك بريق أمل ينتظر أن نلتقطه ونتمسك به.
أحياناً، يكون الأمل في كلمة طيبة، في نظرة حانية، في يدٍ تُمًدُ لمساعدة محتاج، أو في دعاء صادق يرفع للسماء. وربما يكون في أنفسنا، حين نقرر أن لا نسمح للظروف العاتية أن تهزمنا، وأن نحول جراحنا وجراح الآخرين إلى مصادر قوة، وأحزاننا إلى دوافع للمضي قدماً بثباتٍ وعزيمة.
إن اليأس طريقٌ معتم، لا يقود إلا إلى الضياع، أما الأمل فهو شمعةٌ، وإن كانت صغيرة الحجم، تضيء عتمة الأيام وتمنح القلب طمأنينةً بأن الله لن يخذل الساعين إلى أعمال البر والسلام، ولن يترك من يؤمن به بأن بعد كل ليلٍ طويل، فجرٌ جديد.
فلا ندع الألم يحجب عنا نور الأمل، ولا نسمح للمعاناة أن تطفئ شعلة الرجاء والمحبة في قلبنا. ففي النهاية، نحن لا نحيا فقط بما نملك، بل نحيا أيضاً بما نؤمن به، وما نرجوه من غدٍ أجمل وأفضل.
وهكذا يبقى الأمل عنوانا للحياة.
No comments:
Post a Comment