بقلم: البطريرك ثيوفيليوس الثالث
قبل ستين عامًا، في 6 كانون الثاني 1964، عقد البابا القديس بولس السادس وبطريرك القسطنطينية المسكوني الراحل أثيناغوراس لقاءً تاريخيًا على جبل الزيتون، استضافه سلفنا العظيم البطريرك بنديكتوس. كانت هذه أول زيارة يقوم بها بابا إلى الأراضي المقدسة منذ الانشقاق. وكان الهدف من هذا اللقاء أن يفتح طريقًا جديدًا، سواء لكنائسنا كما وللأرض المقدّسة.
قبل عشر سنوات، اجتمع خليفتهما البابا فرنسيس والبطريرك برثلماوس في القدس لإحياء ذكرى هذا اللقاء، وقد سعدنا باستضافتهما.
كان لقاء البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس سيؤدي فورًا إلى فصل جديد. عندما سُئل البطريرك أثيناغوراس عن سبب لقائه بالبابا، قال: "أتيت إلى هنا لأقول ’صباح الخير‘ لأخي الحبيب البابا. يجب أن تتذكر أنه قد مضى 525 عامًا منذ أن تحدثنا مع بعضنا البعض!". لقد فتح هذان الزعيمان مستقبلًا جديدًا للكنيسة الأرثوذكسيّة وللكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة، اللتين كانتا منقسمتين على مدار قرون. لقد تم رفع الحرمانات القديمة، وظهر التزام جديد بالحوار والاحترام المتبادل والتفاهم الأعمق بين الكنائس.
لم تكن هذه خطوة شعبية عالمية بالنسبة للبعض في كنائسنا. ولا يزال هناك خوف وتحامل على كلا الجانبين في بعض الأوساط. من الصعب أن ننحّي جانبًا مثل هذا التاريخ الطويل من الشك والأذى والروايات المتضاربة. لكن البطريرك والبابا كانا يعلمان أن مستقبلاً مختلفًا لن يكون ممكنًا إلا إذا تم إرساء روح جديدة للحوار والرغبة في المصالحة. وقد أعطا في اجتماعهما للكنيسة الأرثوذكسيّة والكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة رؤية جديدة ألهمت حرص الكثيرين على مواجهة الانقسام والتغلب عليه. وكما قال البابا بولس في خطابه في 5 كانون الثاني 1964، فإن لقاءهما قد "تأسّس على الرجاء بلقاءات جديدة ومثمرة". ولهذا كان اللقاء أهميّة كبيرة في تشجيع الحوار المسكوني الأوسع.
بعد مرور ستين عامًا، في الأراضي المقدسة، في وقت صراع وصعوبات لجميع شعوبنا، وخاصة بالنسبة للمسيحيين، لا يزال هذا اللقاء التاريخي بين البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس يحمل ثمارًا كبيرة في مجتمعاتنا الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة.
إنّ اللقاءات المنتظمة للبطاركة ورؤساء كنائس الأرض المقدسة في يومنا هذا هي النتيجة المباشرة للقاء البابا والبطريرك. إنّ التعاون في ترميم الأماكن المقدسة والحفاظ عليها، وخاصة كنيسة القيامة وكنيسة المهد، أصبح ممكنًا بفضل روح ذلك اللقاء منذ زمن طويل والتي لا تزال حية بين قادة الكنائس. وأمام التحديات الهائلة الحالية في منطقتنا، تمكنا من توحيد جهودنا في مهمة مشتركة تتمثل في تسليط الضوء على محنة جميع شعوبنا، وبطبيعة الحال، المجتمع المسيحي، وفي الدعوة إلى التزام جميع الأطراف المعنية بعملية الحوار من أجل التوصّل إلى حلّ سلميّ وعادل ودائم لمستقبل الأرض المقدسة للعالم أجمع.
وبينما تم إحراز الكثير من التقدّم الجيّد في العلاقات بين الكنائس، وخاصة بين الجماعات المسيحيّة في الأراضي المقدّسة، فإنّه علينا، مدركين أنّنا نقوم بدورنا، أن نستمرّ، واضعين في الاعتبار صلاة ربنا يسوع المسيح لتلاميذه ليكونوا بأجمعهم واحدًا (يو 17: 21).
إنّ الكنائس ملتزمة بالمسيرة المسكونيّة الحقيقية، التي هدفها النهائي هو المشاركة في الكأس المشتركة. يجب ألا ننسى أبدًا أن العناية الإلهية وضعتنا هنا لنكون شهودًا لرسالة رجاء الإنجيل. عندما يبزغ اليوم الذي يمكننا فيه أن نشترك في هذه الوحدة الأسرارية الكاملة، سيكون هدف الحوار الذي بدأه البابا القديس بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس قد تحقق.
في الأرض المقدّسة، نشكر الله القدير على القيادة الرائعة التي أظهرها هذان الخادمان في التغلب على التحيز والخوف وأغلال التاريخ، ونصلي بحرارة من أجل أن تلهم روح مبادرتهما، في ملء العناية الإلهيّة، قادة منطقتنا لإقامة سلام دائم في الأراضي المقدسة.
لتكن ذكراهما خالدة.
No comments:
Post a Comment