آية اليوم

Post Top Ad

Your Ad Spot

Monday, December 18, 2023

تأملات تساعية الميلاد – اليوم الخامس

 


موقع الفادي

أَعدّها الأب فارس سرياني :

 

﴿وَإلَيكُم هَذِه العَلامَة: تَجِدونَ طِفلًا مُقَمَّطًا مُضْجَعًا في مذود﴾ (لوقا 11:2). مَا مِنْ شَيءٍ مُعْجِزٍ يَفوقُ الطَّبِيعَة، ومَا مِنْ شَيءٍ اسْتِثنَائِيٍّ أُعطِيَ لِلرُّعَاةِ كَعَلامَة! إنَّما أُعْطِيَت لَهُم عَلامَةٌ عَادِيَّة: "طِفلًا مُقَمَّطًا" يَحتاجُ كَكُلِّ الأطفَالِ، عِنَايَةَ أُمِّهِ ورِعايَتَهَا. طِفلًا مَولُودًا في إسطَبلٍ، مُضْجَعًا لا في مَهٍد بَلْ في مِذوَدٍ، أَيْ مَعْلَفٍ لِلدَّوَاب!

 

العَلامَةُ الّتي أَعطَاهَا اللهُ كَانَتْ بَسيطَة، ولَكِنَّ عَظَمَةَ اللهِ تَتَجَلَّى في تَواضُعِهِ، الّذي ظَهَرَ في طِفلِ بيتَ لَحم. مِنْ خِلالِ الإيمانِ، رَأَى الرُّعاةُ في هَذَا الطِّفلِ تحقيقَ نَبوءَةِ أَشعيا: ﴿قَدْ وُلِدَ لَنَا وَلَدٌ، وأُعطِيَ لَنَا ابنٌ. فَصَارتِ الرِّئاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، ودُعِيَ اسمُهُ عَجيبًا مُشيرًا، إلهًا جَبَّارًا، أَبَا الأبَدِ، رَئيسَ السّلام﴾ (أش 5:9). فَمِنْ خِلالِ رِسالَةِ الإنجيل، يَدعُونَا مَلاكُ الرَّبِّ نحنُ أَيضًا، أنْ نَسيرَ بالقَلبِ والإيمان، لِمُلاقَاةِ الطِّفلِ يَسوع، الْمُوضُوعِ في مِذوَد!

 

عَلامَةُ اللهِ لَنَا هِيَ البَساطَةُ والتَّواضُع. عَلامَتُهُ هيَ أَنْ يُمسِيَ صَغيرًا مِنْ أَجلِنَا. فَهُوَ لا يَأتي بِعُتُوٍّ، بَلْ يَأتي كَطِفلٍ أَعزَلْ. لا يُريدُ أَنْ يَسْحَقَنَا أَو يُرْهِبَنَا بِقُوّتِهِ وجَبَروتِهِ، بَلْ يَنزَعُ مِنَّا الخَوفَ بِلُطْفِهِ ووَدَاعَتِهِ. تَمامًا مِثلَمَا تَجلَّى لِمُوسَى في لَهيبِ عُلَّيقَةٍ مُشْتَعِلة ولَكِنَّهَا لا تُحرِق. وكَمَا تَجلّى لِإيليّا في نَسيمٍ هَادِئٍ لَطِيف، ولَيسَ في ريحٍ عَاصِفَة، أو زَلزَلَةٍ مُدَمِّرَة، أو نَارٍ حَارِقَة.

 

وَلِأنَّ الرَّبَّ لا يُريدُ مِنَّا سِوَى الْمَحَبَّة، فَلِهَذَا يُصبِحُ طِفَلًا. وَمِنْ خِلالِهَا نَستَطيعُ أَنْ نُدرِكَ أَحكَامَهُ، وأنْ نَعِيشَ البَساطَةَ والتَّواضُعَ والْمَحَبَّة. الكَلِمَةُ الأزليُّ غَيرُ الْمَحدُودِ والَّلامُتَنَاهِي، صَارَ مَحدُودًا صَغيرًا، وَوُضِعَ في مِذوَدٍ، حَتّى نَتَمَكّنَ نَحنُ مِنْ اسْتِيعابِهِ. وهَكَذا، في الْمِيلادِ نَقتَدي بالْمَسيحِ الَّذي وَهَبَ نَفسَهُ لأجلِنَا، مُتَخَلِّيينَ عَنْ الأنَانِيَّةِ وعِبَادَةِ الذَّات، مُتَعَلِّمينَ حُبَّ العَطاءِ والْمُشارَكة، والانفِتَاحِ عَلَى بَعضِنَا البَعضِ بِمجّانيّةٍ، دُونَ مَصلَحَةٍ أو انْتِظارِ مُقَابِل.

 

في الْمِذوَدِ الصَّغير، وُضِعَ كَلِمَةُ اللهِ القَدير، وَأَمَامَهُ سَجَدَ الرُّعاةُ والْمَجُوس. وَهَكَذَا، رَأَى آباءُ الكَنيسَةِ في الْمِذوَد، إشارَةٍ لِلمَذبَحِ الَّذي عَليهِ يُوضَعُ الخُبزُ الصَّغير، الَّذي هُوَ نفسُهُ الْمَسيحُ القَدير، في سِرِّ القُربانِ الأقدَس، ولهُ نَجثُو كُلُّنا ساجِديِن.

 

في هَذِهِ الأيّامِ الاسْتِعدَاديِّة لِلميلاد، لِنَطلُبْ مِنَ الرّبِّ أَنْ يَهَبَنَا النِّعمَةَ لِنَنظُرَ إلى الْمَغَارَةِ بِبَسَاطَةِ الرُّعَاة، فَنَنَالَ الفَرَحَ الّذي نَالُوه. فَلْنَطلُبْ مِنهُ أَنْ يمنَحَنَا الإيمانَ والثِّقَة، الّلذينِ نَظَرَ بهِمَا يُوسُفُ إلى الطِّفل، الّذي حَملَتهُ مَريمُ مِنْ الرُّوحِ القُدس. فَلْنَطلُب مِنَ الرّبِّ أَنْ يَهَبَنَا النَّظَرَ إليهِ، بِتِلكَ الْمَحبّةِ الّتي بها نَظَرتْ مَريم. وَلْنُصَلِّ كَيْمَا يُنيرَنَا ذَاكَ النُّورُ الّذي أَنارَ الرُّعَاةَ، وَلِكَي يَتَحَقَّقَ في العَالمِ مَا أنْشَدتُهُ الْمَلائِكَة: ﴿الْمَجدُ للهِ في العُلَى! والسَّلامُ في الأرضِ لِلنّاسِ، فَإنَّهُم أَهلُ رِضَاه﴾ (لوقا 14:2).

عن "ابونا"

No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

Your Ad Spot